التعلم عملية وليس منتجاً، وهي عملية فرضية - يٌفترض حدوثها - لا يمكن مشاهدتها أو ملاحظتها ومتابعتها، ولكونها عملية نفسية وعقلية تحدث في العقل، فإنّنا لا يمكننا إلا أن نتوقع ونستنتج أنها حدثت من خلال ملاحظة سلوك الطلاّب وقياس نتاجاتهم المعرفية. بمعنى أنّنا لا يمكننا رؤية عملية التعلّم نفسها ولكن يمكن ملاحظة وتتبع وقياس نتائجها وأثارها.
يتضمن التعلم تغييراً في المعرفة والمعتقدات والسلوكيات والمواقف. هذا التغيير يتنامى ويتجلى بمرور الوقت. التعلّم ليس عابراً أو مؤقتاً، ولكنه ذو تأثير دائم في كيفية تفكير الطلاب وتصرفهم. التعلم ليس شيئًا يتم فعله للطلاب، ولكنه شيء يفعله الطلاب بأنفسهم. إنها النتيجة المباشرة لكيفية تفسير الطلاب لتجاربهم وخبراتهم الحياتية والاستجابة لها.
إذن فالأصل أنّ التعلّم عملية (غير مرئية)! ولكن هل يمكن "جعل التعلم مرئيا"؟
على المستوى النظري يمكننا القول أنّنا إن تمكنا من التحكّم في الظروف التي تساعد الطالب على التعلّم وتزيد من فرص تمكين المعلمين من تحقيق تأثير إيجابي على تعلّم الطلاب، وتعليم وتشجيع الطلاب على ملاحظة تعلمهم وتعديل نهجهم في التعلم عند الحاجة لكي يصبحوا متعلمين منظمين ذاتياً. فإنّنا نكون بهذا قد زدنا فرص تحقيق التعلّم إلى الحد الذي يمكننا من رؤية نتائجه بشكل أفضل وأسرع والاطمئنان إلى حدوثه وتحققه.
يعود الفضل في اصطلاح مصطلح (التعلّم المرئي) Visible Learning إلى عدد من العلماء منهم Howard Gardner، وكذلك Inez De Florio-Hansen وآخرهم كان البروفيسور جون هاتي John Hattie
عندما نشر هاتي كتابه ( التعلّم المرئي) لأول مرة عام 2008م حول مؤشرات الأداء والتقييم في التعليم، كان لديه سؤال واحد بسيط: ما هي المتغيرات التي لها أكبر تأثير على تحصيل الطلاب؟
قام جون هاتي خلال 15 عاماً بمراجعة ودراسة الآف الدراسات ذات العلاقة بتعلّم الطلاّب، وخرج من هذه الدراسة بقاعدة بيانات تضمّ أكثر من 320 عاملاً مؤثراً في تعلّم وتحصيل الطلاب. وتم تصنيف كل هذه العوامل تحت تسعة مجالات:
1- الطالب: عوامل الطالب المتعلقة بالخلفية والمعتقدات والتأثيرات الجسدية.
2- الأسرة والمجتمع: عوامل متعلقة بموارد الأسرة وهيكلها وبيئتها.
3- المدرسة: عوامل متعلقة بنوع المدرسة، ومرحلة ما قبل المدرسة، وتكوين المدرسة، والقيادة.
4- الفصول الدراسية: عوامل الفصل الدراسي المتعلقة بتكوين الفصل والموهبة وتأثيرات الفصل الدراسي.
5- المعلم: عوامل المعلم المتعلقة بسمات المعلم والتفاعلات بين المعلم والطالب وتعليم المعلمين.
6- المناهج: العوامل المنهجية المتعلقة ببرامج المناهج المختلفة.
7- استراتيجيات تعلم الطلاب: استراتيجيات تعلم الطلاب والعوامل المتعلقة بالتنظيم الذاتي ووجهات نظر الطلاب واستراتيجيات التعلم.
8- استراتيجيات التدريس: استراتيجيات التدريس والعوامل المتعلقة بنوايا التعلم ومعايير النجاح والتغذية الراجعة واستراتيجيات التدريس.
9- التكنولوجيا والمدرسة: والاستراتيجيات خارج المدرسة والعوامل المتعلقة بالتكنولوجيا والأساليب على مستوى المدرسة والتعلم خارج المدرسة.
وكان غرض هاتي John Hattie من دراساته هذه هو مساعدة المعلمين على فهم وقياس وتقييم التأثير الذي يمكن أن يحدثوه على نمو الطلاب وإنجازهم. وتمكين المعلمين من اكتساب المهارات و الممارسات والاستراتيجيات التي لها أكبر تأثير على تحصيل الطلاب واتخاذ قرارات مستنيرة بناء على الأدلة لزيادة وقتهم وطاقتهم ومواردهم.
ويدّعي هاتي أن التعلم يصبح مرئياً عندما يتمكن المعلمون من مساعدة الطلاب على أن يصبحوا معلمين لأنفسهم (من خلال استراتيجيات ما وراء المعرفة والتغذية الراجعة والتدريس المتبادل).
إنّ إنجازات هاتي John Hattie في الحقيقة تسهم في تكوين فهم أفضل لعمليتي التعليم والتعلّم، وترشد إلى كيفية تحسين تحصيل الطلاب في الفصل والمدرسة. إنها مورد مفيد لمعلمي المستقبل والمعلمين ذوي الخبرة ومديري المدارس ووكلائهم والمشرفين التربويين وكل مهتم بالمجال التعليمي التربوي المدرسي.
ونحن في مركز التعلّم المرئي للتدريب والإشراف التربوي نشارك John Hattie في ضرورة التركيز في مدارسنا على العوامل المؤثرة في تجويد نواتج تعلّم الطلاب، ودراستها وتحقيقها، والعمل على رفع مستوى التحصيل الدراسي لهم. وهذا هو همّنا وغايتنا ولعلّ هذا هو سبب اختيارنا لهذا الاسم.